تحتفل، اليوم، الفنانة الكبيرة فيروز «جارة القمر»، بعيد ميلادها الـ 90، حيث ولدت يوم 20 نوفمبر 1934.
في السطور التالية نرصد زياراتها إلى مصر:
زارت فيروز والأخوان رحباني مصر ثلاث مرات، كانت الأولى في فبراير عام 1955، والثانية في أكتوبر عام 1966، والثالثة في أكتوبر عام 1976، وبعد انفصال فيروز عن الأخوين رحباني فنيًّا، حضر الأخوان إلى مصر مرتين دونها، وزارت فيروز مصر مرة أخيرة عام 1989 لإحياء حفلها المعروف عند سفح الأهرام.
في 6 نوفمبر عام 1954؛ سافر وفد فني كبير من مصر إلى لبنان مكوّن من نقيب الممثلين يوسف وهبي، ومحمد رجائي مدير شركة مصر للتمثيل والسينما، ومديحة يسري ومحمود ذو الفقار وحسين صدقي وأمينة رزق، وعدد من الصحفيين المصريين على رأسهم صالح جودت. كان الهدف من الزيارة هو دعم توزيع الأفلام المصرية في دور العرض اللبنانية والعربية، بعد حدوث خسائر للمنتجين المصريين بسبب الإقبال على عرض الأفلام الإيطالية والهندية الأرخص سعرًا. أمضى الوفد يومين للدعاية والسياحة في لبنان، وفي مساء اليوم الثاني للرحلة كانوا على موعد مع سهرة مع الشابة فيروز ذات التسعة عشر عامًا والملحن عاصي الرحباني في ضيعة أنطلياس مسقط رأس الأخوين رحباني. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرف فيها الفنانون المصريون عن قرب إلى فيروز التي وصلهم صوتها عبر الإذاعات دون أن يروها، غنت فيروز أمام يوسف وهبي وأمينة رزق ومديحة يسري بينما عاصي الرحباني يعزف على البُزُق.
وجهت إذاعة صوت العرب دعوة رسمية للأخوين رحباني ولفيروز لزيارة العاصمة المصرية لبث أغانيهما من الإذاعة المصرية، كان الكل مترقبًا للزيارة وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب الأكثر حماسة وإعجابًا بالتجربة الفنية الرحبانية وبصوت فيروز، وفي منتصف فبراير عام 1955 وصلت فيروز مع الأخوين رحباني وشريكهم الفني المخرج صبري الشريف (المشرف على البرامج الموسيقية في إذاعة الشرق الأدنى) إلى القاهرة، كانت زيارة فيروز مع الأخوين رحباني بالتحديد بعد ثلاثة أسابيع من زواج فيروز وعاصي الرحباني، زارت فيروز والأخوان رحباني وصبري الشريف في اليوم التالي مبنى الإذاعة المصرية للمرة الأولى، حيث اُتفق مبدئيًّا على تسجيل 38 أغنية من ألحان الأخوين بصوت فيروز، وأفردت مجلة الإذاعة المصرية بعضًا من صفحاتها ترحيبًا بالضيوف وتعريفًا بهم وبفنهم للجمهور المصري.
زارت فيروز والأخوين رحباني منزل محمد عبد الوهاب، وأهدى إليه الأخوان ديوانهما بعنوان (سمراء مها) الذي يضم العديد من المقاطع الشعرية الغنائية التي أذيعت بصوت فيروز، بينما أسمع عبد الوهاب الحضور أحدث تسجيل له لم يُطرح تجاريًّا بعد وهي أغنية (قابلته)، وهو لحن لطيف صاغه عبد الوهاب على إيقاع التانجو الذي يروق له وللأخوين وفيروز. كان الملحن المصري سيد إسماعيل حاضرا في تلك الزيارة، وكوَّن صداقة متينة مع الأخوين استمرت تلك الصداقة في لبنان، بعد أن تعاقدت إذاعة الشرق الأدنى مع سيد إسماعيل على تقديم مجموعة كبيرة من البرامج الغنائية.
كما زار محمد عبد الوهاب الأخوين رحباني وفيروز في منزلهم الذي استأجرته لهم الإذاعة المصرية في الزمالك، وكان حاضرًا في السهرة الكاتب توفيق الحكيم، والصحافي والناقد الفني أنور أحمد، وحسين فوزي مؤلف كتاب (الموسيقى السيمفونية). عرض صبري الشريف على الحضور مجموعة من الأشرطة المسجلة التي أحضرها معه كنموذج بسيط من أعمال الأخوين رحباني وفيروز، ومدى ما وصلوا إليه في مجال الموسيقى في ستديوهات محطة الشرق الأدنى، وفي ختام السهرة استمع الحضور إلى أوبرا (دمبو الجبار) للأخوين رحباني. وفي 6 مارس زارت مجلة (الجيل) العروسين في منزلهما بالقاهرة وجرى الحوار على النمط نفسه؛ من التعريف بفن الأخوين ورؤيتهما الموسيقية.
وفي أبريل كانت الإذاعة قد أعدت مجموعة كبيرة جدًا من الأغاني والبرامج الجديدة احتفالًا بالربيع والأعياد واستعدادًا لرمضان، وكان لفيروز وألحان الأخوين نصيبًا جيدًا منها، سجلت فيروز مجموعة من الأغاني الراقصة لفترة الصباح وهي: أغنية (روح يا بلبل)، (يريد زهرة)، (يا ليل بلادي)، ومن أغاني السهرة: (موطن القمر) كما سجَّلت فيروز قصيدة (سوف أحيا) من كلمات الشاعر المصري مرسي جميل عزيز وألحان الأخوين رحباني.
اهتم الوسط الفني بوجود فيروز في القاهرة، وكالعادة بدأت تنهال عليها عروض العمل بالسينما، كان المخرج حسن الإمام من أشد المتحمسين للتعامل مع الأخوين رحباني، وظلَّت هذه الرغبة تراوده وإن حالت الأقدار دائمًا دون إتمامها. طلب حسن الإمام من الأخوين رحباني أن يلحنا أغنية لفيلمه الجديد، وأن تقوم فيروز بالغناء والدوبلاج الصوتي فقط دون أن تظهر على الشاشة كما تريد، لكن الأخوين طلبا مبلغًا كبيرًا نظير التأليف والتلحين والتوزيع فلم يتم التعاون، لكنهما أشارا على حسن الإمام بالصوت المميز للفنانة المصرية الصاعدة نادية فهمي والتي كانا يودان التعامل معها، وهكذا بإيعاز من الأخوين أدت نادية فهمي بصوتها فقط أغاني فيلميّ (الملاك الظالم) عام 1954 و (الجسد) عام 1955 بينما كان الأداء التمثيلي في الفيلمين للفنانة هند رستم.
امتدت إقامة فيروز والأخوين في مصر حتى أغسطس أي ما يقارب ستة أشهر، وهي أطول فترة قضاها الأخوان وفيروز خارج لبنان، وأطول رحلة فنية لهم على الإطلاق، قدمت فيروز للإذاعة المصرية ما يزيد عن الأربعين لحنًا ما بين الأغنية القصيرة والقصيدة والبرامج الإذاعية، كما انتج الأخوين رحباني وفيروز هناك العمل الشهير (راجعون) لصالح إذاعة صوت العرب والذي ما يزال إلى اليوم من أجمل الأعمال الفنية التي قدمت حول القضية الفلسطينية. كانت القاهرة تعتبر آنذاك عاصمة الفن في العالم العربي من مسرح وأغنية وسينما، وجذب أداء فيروز في مصر العديد من العروض من الملحنين ومنتجي الأفلام الذين طلبوا منها أن تقوم بدور البطولة في أفلامهم، إلا أنها في ذلك الوقت كانت تنتظر مولودها الأول، فعادت فيروز إلى لبنان إلى بيتهم الريفي الهادئ في أنطلياس لتُنجب زياد الرحباني في الأول من يناير عام 1956، الذي ألَّف ولحن لها فيما بعد العديد من أعمالها.
ومنذ عام 1955 وحتى وسط 1966 لم تزر فيروز مصر مرة ثانية، وعلى الرغم من النجاح المتزايد واللافت الذي حققته فيروز مع الأخوين رحباني، إلا أن الإذاعة المصرية بدأت في التقليل من بث أغاني فيروز حتى كادت تنعدم، وسرت شائعات في الأوساط المصرية واللبنانية أن أغاني فيروز ممنوعة في مصر، ووصلت تلك الشائعات إلى حد التصريح في الصحافة، مما دعا أمين هويدي وزير الإرشاد القومي في مايو عام 1966 إلى توجيه دعوة رسمية إلى فيروز والأخوين رحباني لزيارة الجمهورية العربية المتحدة، فزارت فيروز مصر مرة أخرى في منتصف أكتوبر 1966 أي بعد 11 عامًا من زيارتها الأولى.
اقرأ أيضا:
في ذكرى ميلاده.. محمد رشدي: «دامت لمين»
في ذكرى ميلادها.. حكايات تُنشر لأول مرة عن حياة سعاد حسني